عدد المساهمات : 294 تاريخ التسجيل : 13/01/2010 العمر : 33
موضوع: حسناء القطار قصه قصيرة الأربعاء ديسمبر 07, 2011 10:27 pm
نعمت بمقصورة القطار وحدي حتى وصلنا إلى روحانا (الهند) . هناك صعدت فتاة وشاركتني فيها .
أغلب الظن أن الزوجين اللذين وقفا يودعانها كانا والديها . فهما كانا قلقين على راحتها ، إذ أخذت المرأة تعطيها تعليمات مفصلة عن المكان الذي تضع فيه أمتعتها ومتى تحجم عن الاتكاء على النافذة وكيف تتهرب من حديث الغرباء .
وإذ كنت أعمى ، فلم يمكنني تحديد مظهر الفتاة . لكني عرفت أنها ترتدي خفين من صوتهما كلما ضربا قدميها . إضافة إلى أني أعجبت برنين صوتها هي .
"هل أنت متوجهة إلى دهرادان ؟" سألتها فيما القطار يغادر المحطة .
لا بد وأني كنت قابعاً في زاوية معتمة لأن صوتي روّعها . وبعد زفرة تعجب قالت : "لم أشعر بوجود شخص آخر ."
إن أناساً يتمتعون بنظر صحيح كثيراً ما يقصرون عن رؤية ماهو قائم أمامهم . ويبدو أن أشياء كثيرة تمر أمام أبصارهم ليلاحظوها . أما الذين فقدوا البصر فيعتمدون موحيات حواسهم الأخرى الأكثر دلالة .
قلت لها : " أنا أيضاً لم أرك في البداية . لكني سمعتك تدخلين ." وتساءلت عما إذا كان بمقدوري ألا أجعلها تلاحظ أني لا أرى . وفكرت : إن مكثت في مقعدي لن يكون الأمر صعباً.
وقالت الفتاة : " سأنزل في صحارانبور . فعمتي تنتظرني هناك . إلى أين أنت ذاهب ؟" _ إلى دهرادان ثم موسوري . " أنت محظوظ حقاً . ليتني أذهب إلى موسوري . فأنا أعشق الجبال خصوصاً في أكتوبر ."
قلت مستدعياً ذاكرتي من أيامي المبصرة : " أجل ، أنه أفضل الأوقات . فالزهر يغطي التلال والشمس الدافئة تغمرها .وفي المساء يجلس المرء أمام نار تتوقد فيها جذوع الأشجار . السياح غادروا موسوري الآن ولابد من أن الطرق هادئة وشبه مهجورة ."
وساد صمت بيننا . فتساءلت عما إذا أثر قولي فيها أو أنها اعتبرتني شاعرياً وغبياً . ثم زلّ لساني : " كيف يبدو العالم في الخارج ؟" ولم يظهر أن سؤالي أثار استغرابها . أتراها لاحظت أني لا أرى ؟ لكن جوابها البسيط بدد شكوكي : " لماذا لا تنظر عبر النافذة ؟ "
وتلمست طريقي عبر المقعد وتحسست طرف النافذة . كانت مفتوحة ، فواجهتها متظاهراً بالتحديق إلى الطبيعة الريفية . وفي ذهني أرى أعمدة الهاتف تمضي سريعة ، فجازفت وقلت : " هل لاحظت أن الأشجار تبدو وكأنها تتحرك فيما نحن نراوح مكاننا ؟" قالت : " هذا يحث باستمرار ."
وأدرت ظهري إلى النافذة وواجهت الفتاة وبقينا صامتين فترة . ثم قلت : " إن لك وجهاً مشوقاً فعلاً ." أني أصبحت جسوراً . لكنها ملاحظة آمنة ، فقليلات هن النساء المحصنات ضد الإطراء . وأطلقت الفتاة بدماثة ضحكة صافية رنانة ، وقالت : " جميل أن أسمع هذا منك ، فأنا سئمت الناس الذين يقولون لي أن وجهي جميل ! " وفكرت : أنت تملكين وجهاً جميلاً إذاً ! وبصوت عال قلت : " الوجه المشوق يمكن أن يكون جميلاً أيضاً ." قالت : " تبدو شهماً وصاحب مروءة . ولكن لم هذه الجدية كلها ؟"
_سنصل إلى محطتك قريباً . " الحمد لله على أنها رحلة قصيرة . فأنا لا أطيق الجلوس في القطار أكثر من ساعتين ." أما أنا فكنت مستعداً لأن أجلس هناك أياماً ، أستمع إلى حديثها وإلى صوتها المتلألئ كجدول جبلي . لابد وأنها ستنسى لقاءنا العابر حالما تغادر القطار . لكن ذكراه ستلازمني بقية الرحلة زمناً بعدها .
أطلقت صفارة القطار وتغير صوت العجلات . ونهضت الفتاة تجمع أمتعتها . أتراها عقصت خصل شعرها فوق العنق أم أنها تركتها تسترسل على الكتفين .؟
ودخل القطار المحطة ببطء وتناهى إلينا صراخ الحمالين والبائعين . وقرب باب العربة صوت نسائي عالي النبرات لاشك في أنه صوت عمة الفتاة . " إلى اللقاء ." قالت لي .
كانت واقفة بالقرب مني إلى حد أني شممت عطرها . فشعرت بعذاب من يبلغ هدفه ليحرم منه ثانية . وتملكتني رغبة في أن ألمس شعرها ، لكنها ابتعدت ولم يبق منها سوى العطر .
وساد الباب بعض ارتباك وتمتم رجل دخل المقصورة عبارات اعتذار . ثم سمعت الباب يغلق ، فكأن العالم أغلق دوني . وعدت إلى مقعدي وقد أطلق الحارس صفارته وتحرك القطار . وعدت إلى النافذة أحدق إلى ضوء النهار الذي كان يغلفه الظلام . ومرة أخرى خضت اللعبة مع مسافر جديد .
" أسف لأني لست رفيقاً جذاباً كتلك التي تركت المكان ." قال لي محاولاً بدء الحديث . _كانت فتاة مشوقة . هل لك أن تخبرني عن شعرها أكان طويلا أم قصيراً ؟ فأجابني بارتباك : " أني رأيت عينيها ، فغاب عني أن أنظر إلى شعرها . كانت لها عينان جميلتان ، لكنهما لا تنفعان . فهي عمياء ، ألم تلاحظ ذلك ؟