لعل «مونتسكيو» هو الذي فصل السلطات الثلاث في أنظمة الحكم وقسمها إلى تشريعية وقضائية وتنفيذية، وأكد على ضرورة الفصل بينها.واتفق فقهاء التشريع على أن «الدولة» والدولة وحدها هي صاحبة الحق في ممارسة القوة التي قد تصل إلى العنف عبر قواعد منظمة من القانون.
واتفق فقهاء التشريع على أن الشرطة والجيش أو أي قوة أخرى تحمل السلاح بشكل منظم «تتبع» السلطة التنفيذية، وتراقب من خلال السلطة التشريعية، ويتم محاسبتها قانونا من خلال السلطة القضائية.
واتفق فقهاء التشريع على أن الدولة العصرية مدنية، واتفقوا أيضا على أن الدولة الإسلامية ليست الدولة الدينية، بمعنى أنه إذا كانت مصادر التشريع تتفق ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، فإن الدولة بهذا المفهوم دولة مدنية وليست دينية، وأن الولاية فيها للكفاءة والتخصص وليست بالضرورة للعمامة.
إذن الخلاصة هي:
1- السلطات ثلاث لا بد من الفصل بينها.
2- العنف مسؤولية الدولة بشكل حصري وشكل مقنن.
3- الشرطة والجيش يتبعان السلطة التنفيذية ولا يعلوانها.
4- الدولة العصرية مدنية.
5- الدولة الإسلامية ليست الدولة الدينية.
أمور استقر عليها الفكر البشري المعاصر، توقف الكثير من المنازعة والمناطحة فيها، وأصبحت مثل مقادير كعكة التقدم ونهوض الأمم.
وما يحدث في وطني الحبيب مصر، منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 هو استنفاد لطاقة العقول والنفوس البريئة التي قامت بهذه الثورة.
مرة أخرى نعود إلى الأبجدية السياسية، ومرة أخرى نبذل الدموع والدماء الغالية من أجل محاولة إثبات أن حرف «الباء» يتلو حرف «الألف»!
مناقشات عقيمة، ومراهقات سياسية، وانتهازية من النخبة السياسية، ودجل من الإعلام، ومحاولة رخيصة لاستثمار الشعارات الدينية، واستخدام مفرط لكل أنواع القوى من كافة التيارات. والبلاد تفقد ثلث الاحتياطي النقدي، والاستثمار الخارجي في حالة توقف، والسياحة تفقد ثلثي دخلها، والناس تصرخ من حالة الانفلات الأمني، وارتفاع مخيف في أسعار الطعام، وأزمة كبرى في إدارة شؤون البلاد من خلال حكومة مشلولة ومعطلة ومترددة.
السلطات الثلاث تداخلت، والدولة المدنية مهددة، والعنف ليس مسؤولية الدولة، ولكن في يد شارع يملك أكثر من مائتي ألف قطعة سلاح غير مرخص.
الجميع يأخذ ما يعتقد أنه حقه، كما يقول أهل مصر، «بالدراع»!
والجميع يمارس القوة إلى آخر مدى، ولا يمارس الحكمة والعقل بأي مدى!
الجميع شريك في جريمة ضياع أقدم أدلة عرفها التاريخ من خلال مشروع تفكيك مصر.
جلست أشاهد ما يحدث في ميدان «التاريخ» واستغرقت في بكاء طفولي.
بقلم عماد الدين اديب